الأحد، 23 سبتمبر 2018

دور الامامة الغائبة في منع الفساد البشري | الشيخ حسن العالي


محاضرة (دور الامامة الغائبة في منع الفساد البشري) - ليلة 6 محرم 1440 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم

من فقرات دعاء الندبة ( بِنَفْسي اَنْتَ مِنْ مُغَيَّبٍ لَمْ يَخْلُ مِنّا، بِنَفْسي اَنْتَ مِنْ نازِحٍ ما نَزَحَ (يَنْزِحُ) عَنّا )
يُطرح سؤال على الشيعة في اعتقادهم بوجود امام غائب ، مفاد السؤال ؛ اذا كنتم تعتقدون بوجود امام وان امامته فعليه وانه الان له وسام الامامة فلماذا يصمت على كل هذا الفساد والظلم الذي يستشري في الوجود ، فهذا الامر على الصعيد الاقتصادي في تدهور والشأن الصحي في انتكاسة خطيرة وعلى مستوى الاخلاق يسود الانحلال الخلقي بنا لا سابقة لهو ففي اي مجال من الحياة تجد الظلم والجور والفساد مستشريا ، فالسؤال اذا كان امام حقا وامامته فعلية فلماذا يصمت ازاء كل هذه الاشكال من الظلم ؟

على هذا الاساس قال ابن تيمية ان الامام الذي يعتقد به الشيعة مفقود فلا فائدة منه لا في دنيا ولا في دين ، والدليل هذا الظلم باشكاله وانواعه المتصاعدة التي تنتشر فأن قلتم هو موجود وحي وفاعل (بنفسي انت من غائب لم يخلو عنا) يعني غائب عن العين لكن ليس غائب عن الوجود والحضور والدور فان قلتم (بنفسي انت من نازح لم ينزح عنا ) النزوح يعني عن الرؤية الشخصية والمعرفة العنوانية لكن هو موجود وفاعل فأثبتوا لنا لماذا لا يظهر ؟!

هذا السؤال هو نفسه السؤال الذي طرحه الملائكة على الله تعالى لما أخبرهم بتعلق ارادته في خلق خليفة حيث قال الملائكة أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء، .. هل يقصد الملائكة ان الذي يسفك الدماء هو الخليفة ؟! كلا ، فان مفاد كلامهم هو ؛ اذا كان القرار الالهي بجعل خليفة فالخليفة لن يكون خليفة الا بوجود خليقة يعني ناس يستخلف عليهم ، فالخليفة وان كان مسددا ومؤيدا من الله الا ان الخليقة فيها نوازع مادية وبشرية وهذه النوازع البشرية المادية ستقتضي منهم النزول الى حضيض الفساد وسفك الدماء وذلك الخليفة لن يكون بمقدوره ان يوقف مد الفساد ومد سفك الدماء

فالاعتراض نفس الاعتراض

الجواب ان اهل العلم قالوا ان الفساد على قسمين ؛ عندنا فساد أقلي وفساد أكثري والفرق بينهما ان الفساد الاقلي يعني ان ينتشر الفساد في البشر لكن في الجانب الاقل يعني في ربعهم او ثلثهم فقط مثلا اما الفساد الاكثري فيعني ان يستشري الفساد وسفك الدماء بحيث يغطي او يؤدي الى تقويض اكثر البشر مثل ثلثي البشر ، فاعتراض الملائكة كان صحيحا وفي مكانه لو ان الفساد وسفك الدماء الذي سيحصل في البشرية أكثري ، يعني قولهم يكون اذا كان الفساد في البشرية أكثر فلماذا تبعث فيهم خليفة. الله تبارك وتعالى قال لهم اني اعلم ما لا تعلمون يعني ان الفساد سيكون اقلي وان هذا الخليفة سيستطيع ان يمنع الفساد الاكثري يعني ان في البشرية فساد اقلي وفيها ايضا بركات صالحين يعني وجود بشر لديهم فطرة تنبض بحب العدالة والقيم 

فهنا نفس الجواب؛ لو كانت الغيبة سيترتب فيها الفساد الاكثري ويظل الامام ع غائبا ستستطيعون ان تشكلون علينا وتقولون لماذا امام هذا الفساد الاكثري وهو غائب ، وبتعبير اخر ان الامام ع ذو جهاز غيبي خفي يعمل في البشرية مع وجوده وخفائه على منع الفساد الاكثري ومنع من بيده القوه ان يستخدم قوته في الفساد الاكثري كشواهد على ذلك نسأل مَن الذي بيدهم المقدرات العسكرية الهائلة التي في لحظات ممكن أن تبيد البشرية ؟ هي بيد أكثر الناس ظلما وشهوانية وسكرا وعربدة ومزاجية ولو سألت اي انسان استراتيجي واعي وقلت له أتضمن ان هؤلاء الذين بيدهم المقدرات العسكرية والطاقات والنووية ألايستخدمونها فجأة ويبيدون البشرية فسيقول لا ففي حالة سكر وعربدة وطيش هذا ممكن ، فالسؤال لماذا لا يستخدمونها ومن هو الذي مع ظلمهم يحد من هذا الظلم عند نقطة ، فقبل فترة رئيس كوريا قال ان زر النووي تحت يدي فقال الامريكي ان الزر الذي تحت يدي أكبر ! فازرار ابادة البشرية بيد اهل الشهوات والكفر والعربدة الذين لا ديانة لهم فلماذا هذه الازرار لا تعمل لابداة البشرية ؛ هذا يدل على ان هناك ضمانة في هذا الوجود وهذه الضمانة نحن نسميها في عقيدتنا بالجهاز الغيبي الخفي الذي جعله الله في البشرية 

اذا وصل هذا الجهاز الخفي الى حالة انسد عليه منع الفساد الاكثري في الخفاء وجب عليه ان يظهر لهذا رواياتنا تقول يظهر اذا ملأت الارض ظلما وجورا ، بمعنى ان الامام ع يعمل في الخفاء لسد الخلل ولكن اذا وصل الفساد لدرجة  ان هذا الجهاز الغيبي الخفي لا يستطيع ان يمنعها فلا بد ان تنقلب الدولة من خفية الى علنية ( يتحول عمل الجهاز الى علني).

كيف نقنع المسلمين بان هناك جهاز بالخفاء لا احد يراه لكنه يعمل على حفظ البشرية وبتعبير اخر ما هي القنوات والاشكال والانماط التي يعمل بها الامام في الخفاء فيحفظ البشرية عن الفساد الاكثري ؟!

هناك رواية مهمة عن الامام الصادق ع حيث روي انه قال للمفضل بن عمر يا مفضل لو ان شيعتنا تدبروا في القران لما شكوا في فضلنا ، يعني الامام ع يريد ان يقول ان كل اشكالية دينية لها حل في القران ولها نظير في القران لكن انتم لا تستخدمون العقول للتدبر ، فان كل اشكال يشكل عليكم له جواب في القران.

القران الكريم تحدث عن وجود اجهزة غيبية خفية تعمل في حفظ البشرية لكن لا احد يدري عنها ، حتى تعلم ان ابن تيمية وغيره قرأوا الفاظ القران لكن رموز واشارات ومعاني القران بعيدة كل البعد عنهم وان اعتقاد الشيعة بذلك ليس بدعة ؛ اشير لك الى جهاز واحد تحدث عنه القران عن طاقم بشري يفعل فعله في البشرية وهو تحت طي الخفاء وهو العالم الذي صحبه موسى ع ، قضية موسى ع والخضر ع أو العالم من القضايا الاساسية في القران التي للاسف يقرأها الجميع ويتلذذ بها لكن للاسف يأخذونها فقط في المنحى الاخلاقي عن كيف يتعلم التلميذ من الاستاذ وكيف يصبر التلميذ على علم استاذه وهذا جانب جيد لكن التأويل الاعظم او من التأويلات العظيمة لهذه الاة ان القران الكريم اراد ان يصور لنا كيف انه يكون هناك رجال غيب في الخفاء يحفظون البشرية ، تعال نقرأ الادوار التي اداها هذا العالم بحسب القران لنرى هل انها ادوار شخصية كما يقرأها الكثير من المفسرين، أو انها ادوار بشرية.

1️⃣ اول دور منع الفساد الاقتصادي عن الانتشار | (( أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا )) فانت تقرا وتتصور انهم مساكين اثنين او ثلاثة والخضر اراد حفظ حقهم ، لكن الحقيقة ان هذا رمز فالاية تريد ان تقول ان هذا الجهاز الغيبي الخفي مع ظلم الظلمة ومع ظلم الملوك الا ان هناك حد من الظلم يتدخلون لايقافه ، فالله تعالى لا يمنع الظالمين عن كل ظلمهم حتى يحاسبهم يوم القيامة ولكن هناك حد من الظلم اذا وصلوا اليه تتدخل الاجهزة ورجال الغيب في منعه.

2️⃣ الدور الثاني حفظ البشرية عقائديا | وهذا دور خطير جدا ، (( وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا )) فانت قد تقرا هذا النص وتراها حادثة شخصية ، غلام كافر يريد ان يؤذي ابويه فقتله هذا العالم وهذا عند المفسرين اما عند اهل البيت ع فالرمز اعلى من ذلك ؛ ففي روايات اهل البيت ع ان هذا الغلام لو بقي حيا لأثر على البشرية عقائديا في تاريخ طويل ، ارجعوا الى كتاب الكافي "عن الحسين بن سعيد يقول ولدت لرجل من أصحابنا جارية فدخل على أبي عبد الله عليه السلام فرآه متسخطا لها، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: أرأيت لو أن الله أوحى إليك: إني أختار لك أو تختار لنفسك؟ ما كنت تقول؟ قال: كنت أقول: يا رب تختار لي، قال ع : فإن الله قد اختار لك. ثم قال ع: إن الغلام الذي قتله العالم حين كان مع موسى في قول الله: " فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما " قال: فأبدلهما جارية ولدت سبعين نبيا".
فلو بقي هذا الغلام حيا ولعب بتلك الاسرة ولم تنجب تلك الفتاة فكان يضيع على البشرية كم نبي ؟! فهذا دور عظيم في حفظ عقائد البشرية (( فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا )) فاعطاهم الله جارية ولدت سبعين نبي، فهذا دور عام للبشرية.

3️⃣ الدور الثالث حفظ اموال الطبقات المحرومة | عندما اقام جدار تحته كنز لليتامى (( وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا )) ، فهذا ايضا رمز لحفظ حقوق الطبقات المحرومة عن الضياع.

هذه الادوار الخطيرة رأها موسى ع في مشيه معه اما ماذا فعل العالم قبل موسى وبعد موسى فهذا لا يعلمه الا الله ، فاذا هذا جهاز غيبي في الخفاء وهذا واحد فقط وليس طاقم ويفعل بالبشرية كل هذه الادوار العميقة ، فمن هنا تفهم ضلالة كلام بن تيمية عندما قال ان امام الشيعة مفقود فلا فائدة منه لا دين ولا دنيا ! وواحد اخر ايضا من علماء السنة كتب ان المهدي حق في رواياتنا اما مهدي الشيعة فقصته قد كتبها وحي الخيال ! نقول هل كتبها فعلا وحي الخيال أم نسج امثلتها القران الكريم !

فعندما يقول علمائهم هذا الكلام ثم يأتي منا البعض ايضا ويقول ماذا نستفيد من الامام ع في غيبته ؟ فنقول هذا اكبر دليل على البعد عن القران فاذا نظرت في قصة العالم سترى عجبا فالله تبارك وتعالى اعطاه اوسمة (( فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا )) ليس نبي وليس رسولا لكن له وسام قيادي وله علم لدني وله ادوار عظيمة في خفائه وهنا نسأل هل ضَرَ هذا العالم مجهولية الناس له في تفعيل أدواره واستنقاذ البشرية كلما أراد الله أو لم يضره ؟ هل كان يعرفه اهل الجدار او اصحاب السفينه او اهل الغلام ؟! بل لو عرفه اهل الغلام فلربما اقتصوا منه لانه قتل ولدهم

فهذا العالم في الخفاء وفي مجهوليتة الناس له كان يقوم بادوار مهمة في استنقاذ البشرية وكان له اوسمة عالية في الاولياء ، فمن هنا الذي يقول لن نؤمن بوجود امام غائب ذي دور بل نريد امام ظاهرا نشهد ادواره حتى نؤمن به وللاسف لعل هذه عقيدة بعض شبابنا فيقولون ان عقيدتهم بالامام المهدي ع الام بسيطة لكن ان ظهر وكتب لي ان اكون موجودا ورأيت امامته واداوره فسيكون ايماني به قويا وهذا خطأ

فقد يظن البعض ان الفتنة بالامام الحجة ع في غيبته اعظم من الفتنة العقائدية به في حضوره فيتصورون انهم الان في فتنة لانه غائب والناس تعيب علينا والبعض يصيبه تردد لكن ان ظهر ورأيناه في العين سنسلم وهذا خطأ ! نسأل سؤال ألم يكن موسى نبيا من انبياء اولي العزم ؟ ألم يكن يعلم ان هذا العالم كان معلما بالعلم اللدني ؟ يعلم وصحبه لكي يتعلم منه فهل استطاع موسى وهو نبي من اولي العزم ان يصبر على الاداور الخفية التي غابت عنه فيها وجوه الحكمة ام كان في كل تصرف يعترض ؟! في ظهور الامام الحجة ع ستكون ادوار ومواقف وامور خافية في وجه الحكمة فكثير في ذلك العصر مع ظهوره سيكفرون به ، لعلنا نستطيع أن نقول الحمد لله ان الله كلفنا بالايمان به مع غيبته وهذا اقل فتنة من ان يظهر ويقوم بافعال لا نعلم وجوه الحكمة منها فالفتنة العقائدية بظهوره عظيمة كما دلت عليها الآيات.

فالمطلوب هو ان نوثق عقيدتنا به الان من خلال التدبر بالقران والتمعن في اياته وادوار الانبياء و ادوار الاجهزة الغيبية الخفية وان لا نحيد عن هذه العقيدة امام اي تشكيك من مشكك ، فنعتقد به ونناجيه ونسأل منه العطاء ونسأل منه الالهام كما ان الملائكة موجودون ويتنزلون على المؤمنين بصريح القران فالامام عليه السلام موجود وهو يُلهم شيعته ولا بد تعتقد ان الكثير من الزلل والكثير من مواقع المطبات يلهمك الإمام ع للتخلص منها.

فنؤمن به وبأدواره ونعتقد به ونناجيه وما دعاء الندبة الذي ساد في سيرة المؤمنين إلا نحو من النجوى مع الإمام ع ولكن ان لا نصل لا إلى افراط ولا إلى تفريط ؛ فلا ان يدعي مدعي انه يلتقي بالامام ع  يسمع منه احكاما ولا ان يقول قائل ان الامام ع محجوب عنا لا نستفيد منه فالأول افراط والثاني تفريط لان الاحكام والقضايا الدينية والتشريعات ارجعنا فيها للفقهاء ( من كان من الفقهاء صائنا لنفسه مخالفا لهواه مطيعا لامر مولاه فعلى العوام ان يقلدوه ) فجعل لما حصونا ، الفقهاء حصون الاسلام وضمانة العقائد وبهم نصل الى مرحلة التعبير بيننا وبين الله تعالى ، لهم دور واتصالنا بالامام له دور ، فتتصل بالامام تناجيه تسأله تتوسل به ولكن لا يدعي مدعي انه يتصل به مباشرة فيلغي ادوار الفقهاء.

الشيخ حسن العالي
محاضرة (دور الامامة الغائبة في منع الفساد البشري) - ليلة 6 محرم 1440 هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق