الجمعة، 28 يوليو 2017

هل يوجد في الإسلام حرية عقائدية ؟ | السيد ضياء الخباز


هل يوجد في الإسلام حرية عقائدية؟

إنَّ أهمَّ آية قرآنية يستدل بها القائلون بالحريّة الاعتقادية في الإسلام هي قوله تعالى شأنه: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} 1⃣، حيث يفهم البعضُ من هذه الآية الشريفة: أنَّ للإنسان الحرية في الاعتقاد بأي دين يريد، ولا يجوز لأحد أن يكرهه على دينٍ معيّن.

ولكن يُلاحظ على هذا الاستدلال:
أولًا: أنَّ لسان الآية لم يُحرز ظهوره في الإنشاء، حتى يُستفاد منها حكم تكليفي، لكونه محتملًا جدًا للإخبار، فيكون مفادها: أنَّ دين الإسلام هو دين العقل والمنطق، وبالتالي فهو لا يحتاج أن يجبر أحدًا على اعتناقه؛ إذ أنَّ كل إنسان إذا حكّم عقله ومنطقه يجد أن الدين الأسمى المنسجم مع فطرته وطبيعته هو دين الإسلام، فيعتنقه بإرادته واختياره، مِن غير أن يفرضه أحد عليه؛ ولذا فإنَّ الآية بعد أن قالت: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} عقّبت على ذلك بقولها معللّة: {قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}.

وثانيًا: أنَّ نفي الإكراه عن الدين لهُ – مضافًا لما تقدم – وجهٌ متجه جدًا، وهو أنَّ الدين أمرٌ قلبيٌ باطني، ومن الواضح أنَّ الأمور القلبية الباطنية – كالحب والبغض – لا يمكن جبر أحد عليها، وبالتالي فإنَّ الدين – بما هو اعتقاد بالجَنَان، كما في الحديث المشهور – لا يصحُّ أن يتعلق به الإكراه.

فظهرَ أنَّ الاستدلال بالآية المباركة على الحرية العقائدية في غير محله، والذي ينبغي أن يُقال: إنَّ المراد من الحرية الاعتقادية يدور بين احتمالات:

1 – الاحتمال الأول: أن يُتاح للإنسان الاعتقاد بأي عقيدة دينية، مِن غير أن تترتب على ذلك أية عقوبة أخروية.

2 – الاحتمال الثاني: أن يُتاح للإنسان الاعتقاد بأي عقيدة دينية، مِن غير أن يُفسح المجال لتخطئتها ونقدها.

3 – الاحتمال الثالث: أن يُتاح للإنسان الاعتقاد بأي عقيدة دينية، مِن غير أن تترتب على ذلك أحكامٌ شرعية خاصة.

4 – الاحتمال الرابع: أن يُتاح للإنسان الاعتقاد بأي عقيدة دينية، مِن غير أن تترتب على ذلك أيّة مؤاخذة دنيوية.

فإذا كان المقصود هو الاحتمال الأول: فالصحيح هو القول بعدم وجود حرية عقائدية؛ إذ أنَّ جميع الأديان والشرائع قد نُسخت بشريعة الإسلام، فلا نجاة في الآخرة إلا باعتناقه، كما قد يُستظهر من قوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} 2⃣.

وإن كان المقصود هو الاحتمال الثاني: فالصحيحُ أيضًا هو القول بعدم وجود حرّية عقائدية؛ إذ أنَّ منهج القرآن الكريم من ألفه إلى يائه قائم على تخطئة ما يعتقده اليهود والنصارى، وعدم الاعتراف بمشروعية معتقداتهم، كما يشهد به تحذيره الدائم من متابعتهم، كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} 3⃣، وقوله: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} 4⃣.

وإن كان المقصود هو الاحتمال الثالث: فالصحيحُ أيضًا هو القول بعدم وجود حرّية عقائدية؛ إذ أنَّ هنالك مجموعة من الأحكام الشرعية التي رتبها الإسلام على اعتناق غير الإسلام، ومِن أبرزها حكمه بنجاسة غير المسلمين في الجملة، وحكمه بعدم جواز دفنهم في مقابر المسلمين، وحكمه بعدم جواز دخولهم في المساجد، وحكمه بعدم إرث الكافر من المسلم، وغير ذلك من الأحكام، وهي بالنتيجة توجب الإلجاء لاعتناق شريعة الإسلام دون غيرها من الشرائع.

وإن كان المقصود هو الاحتمال الرابع: فالصحيحُ أيضًا هو القول بعدم وجود حرّية عقائدية؛ إذ أنَّ هنالك مجموعة من المؤاخذات الشرعية الدنيوية التي رتبها الإسلام على اعتناق غير الإسلام، ومِن أبرزها حكمه بلزوم الجزية على الكافر الذّمي، وحكمه بوجوب قتل المرتد في الجملة.

وعلى ذلك، فالقول بوجود حرية عقائدية في الإسلام، مما ليس له معنى محصّل، والذي أعتقده أنَّ مَن قال بها إنما قال بها ليدفع عن دين الإسلام ما صوره الإعلام المضاد مثلبةً ونقصًا 5⃣، مع أنه مما لا حزازة فيه، فإنَّ الخلق عباد الله، والدين دينه تعالى، ومن حقه تعالى – كمالكٍ وخالق – أن يفرض على عباده الدين الأصلح لهم، كما يحق لمالك المؤسسة – مع مسامحةٍ في المثال – أن يفرض نظامًا معينًا على كل العاملين عنده حفظًا لمصالح المؤسسة، ولعلّ هذا هو ما عناه القرآن الكريم بقوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} 6⃣.

✏✏✏✏✏✏✏

*الهوامش*
1⃣ سورة البقرة، الآية: 256.
2⃣ سورة آل عمران، الآية: 85.
3⃣ سورة المائدة، الآية: 51.
4⃣ سورة البقرة، الآية: 120.
5⃣ ومما يجدر ذكره والتنبيه عليه: أنَّ أعداء الإسلام قد نجحوا في تمرير شبهاتهم اللادينية، حيث يطرحون الشبهة بنحوٍ يفرض على المنتمي للدين أن يسلّم بها، ثم يسعى للبحث عن إجابة عنها، والحال أنها ساقطة من أساسها، ولك أن تتأمل فيما ذكرناه حول شبهة تقييد الحرية، وقِس عليها الكثير من الشبهات، سيما ما يتعلق منها بمكانة المرأة في الإسلام.
6⃣ سورة الأنفال، الآية: 39.

✏✏✏✏✏✏✏

📝 مقتبس من كتاب (وجهًا لوجه بين الأصالة والتجديد، الطبعة الثانية، المجلد الأول، بحث حقيقة الحرية وحدودها في المنظور الإسلامي، ص140 – 144) لسماحة السيد ضياء الخبّاز القطيفي.

منقول

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق